الفوضى الإسرائيلية تهدد السلام- دعوة للحوار والتعاون الإقليمي العاجل

المؤلف: محمد جواد ظريف08.25.2025
الفوضى الإسرائيلية تهدد السلام- دعوة للحوار والتعاون الإقليمي العاجل

منذ عقد من الزمان، وقفت جنبًا إلى جنب مع زملائي من الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، للإعلان عن إنجاز دبلوماسي استثنائي. هذا الإنجاز أنهى أزمة مؤسفة وغير ضرورية، تلك الأزمة التي انبثقت من أكاذيب مغرضة وسياسات متغطرسة تهدف إلى تأجيج الوضع الأمني، وذلك بهدف صرف الانتباه العالمي عن التهديد النووي الحقيقي الذي يلوح في الأفق في منطقة غرب آسيا.

لقد هلّل العالم أجمع لإبرام الاتفاق النووي الإيراني، والذي يُعرف رسميًا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA). ومع ذلك، رأى نتنياهو وقادة نظام الفصل العنصري النووي الإسرائيلي، وما زالوا يرون، في السلام والاستقرار تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، وتعهدوا جهارًا بتدمير هذا الاتفاق الذي حقق استقرارًا نسبيًا.

اليوم، نرى بعض المسؤولين الذين تولوا زمام الأمور من بعدنا يبذلون قصارى جهدهم للتعامل مع تداعيات عدوان سافر وقع في خضم مفاوضات نووية جديدة. هذا العدوان الشنيع ارتكبته قوة مارقة في غرب آسيا، قوة تمتلك أسلحة نووية ولا تخضع لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، واستهدفت منشآت نووية مؤمنة لدولة ملتزمة بالمعاهدة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل اقترفت أيضًا جرائم حرب أخرى، تمثلت في قصف الأحياء المدنية الآهلة بالسكان، ومراكز رعاية الأطفال الأبرياء، واغتيال العلماء البارزين، واستهداف القادة العسكريين وهم في إجازاتهم.

والأدهى من ذلك أن "جزّار غزة" قد تجاوز كل الحدود، حيث استهدف قادة الدولة بشكل مباشر، في انتهاك صارخ لموروث إنساني عريق يمتد لآلاف السنين. هذا العمل المشين يكشف بوضوح عن سعي سافر ومقصود لإغراق المنطقة في براثن الفوضى وعدم الاستقرار المدمر.

وعندما تعثرت حملة هذا المعتدي المارق، سارعت الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في التاريخ إلى نجدته، وهاجمت بتهور منشآت نووية سلمية، في محاولة يائسة لعرقلة التقدم الإيراني في مجال الطاقة النووية السلمية. ويا للمفارقة، فإن معظم هذا التقدم قد تحقق بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

وفي الوقت نفسه، كان المسؤولون الجدد في الدول الأوروبية الثلاث (E3) والاتحاد الأوروبي، الذين حلّوا محل نظرائهم السابقين، يتبجحون بأن "نتنياهو يقوم بالأعمال القذرة نيابة عنهم"، وراحوا يهددون بسوء نية مطلق بتفعيل "آلية فض النزاع" المنصوص عليها في الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231.

لقد أقدموا على هذا التصرف المشين على الرغم من أنهم، قولًا وفعلًا، قد أنهوا فعليًا صفتهم كأطراف في الاتفاق، عندما تنصلوا من ركنه الأساسي، وطالبوا بتفكيك برنامج إيران السلمي لتخصيب اليورانيوم، وذلك بعد فشلهم الذريع في الوفاء حتى بالحد الأدنى من التزاماتهم الاقتصادية والمالية تجاه إيران طوال سبعة أعوام على الأقل من الأعوام العشرة الماضية.

في 20 يوليو/ تموز 2021، قدمت حجة قانونية مفصلة تتكون من 140 صفحة للأمين العام للأمم المتحدة، والتي نُشرت لاحقًا كوثيقة للجمعية العامة (A/75/968) ومجلس الأمن (S/2021/669). في هذه الوثيقة، شرحت بالتفصيل عدم أهلية الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الثلاث لتفعيل آلية فض النزاع، والتي يطلقون عليها زورًا اسم "آلية التراجع التلقائي" (Snapback)، وهي عبارة لم ترد قط في نص الاتفاق ولا في قرار مجلس الأمن.

هذه الحجة القانونية التي وثقتها تدعمها الآن تصريحات وسلوكيات لاحقة من قبل الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الثلاث، والتي أعلنوا فيها بوضوح انسحابهم من وضع "الشركاء في الاتفاق النووي".

لقد دحضت القوات المسلحة الإيرانية، مرة أخرى، وبقدراتها العسكرية المحلية المتنامية، أسطورة إسرائيل التي لا تقهر، وكشفت هشاشة هذا الغطرسة الزائفة. في الوقت نفسه، أحبط الشعب الإيراني الشجاع والمعتز بكرامته أوهام نتنياهو وعصابته في تفكيك إيران. وأثبتت إيران مجددًا أنه حتى إذا اجتمعت قوتان نوويتان، فإنهما لا تستطيعان تركيع أمة عريقة ذات حضارة ضاربة في جذور التاريخ.

غير أن الأمر قد بات جليًا الآن: فوهم إسرائيل في الهيمنة الإقليمية و"العدوان حسب الطلب" يقوم على زعزعة استقرار إيران، ثم قوى إقليمية أخرى، لتكون النتيجة هي الفوضى والانقسام والخراب في دول غرب آسيا الإسلامية.

هذا السيناريو المروع ليس في مصلحة دول المنطقة قاطبة، ولا يخدم مصالح أصدقائنا في الصين وروسيا، اللتين تقوم مصالحهما الوطنية على الاستقرار والازدهار. كما أنه لا يتماشى مع التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا.

لكن نتنياهو وأنصاره المنافقين من جماعة "بيبي أولًا" في الغرب قد أظهروا أنهم على استعداد لإغراق العالم في حروب لا نهاية لها، لا لشيء إلا لإطالة أعمارهم السياسية الفاسدة وتعزيز أوهامهم التوسعية المبنية على الفصل العنصري والإبادة الجماعية والعدوان المتواصل على جيرانهم العرب، مشفعة ذلك بالابتزاز والفضائح المستمرة والضغط غير المشروع في الغرب.

وعليه، فإن المجتمع الدولي مطالب بأن يبادر فورًا إلى معالجة هذا التهديد الجذري للسلام والأمن الإقليمي والعالمي، والذي يهدد كذلك المصالح الوطنية لمعظم الدول، ويقوض رفاه شعوب المنطقة وخارجها.

لقد شهدت بنفسي، خلال أكثر من أربعة عقود من العمل الدبلوماسي المضني، ومنها السعي الإسرائيلي الموثق لتعطيل مفاوضات تبادل الرهائن الأميركيين في لبنان بأسرى لبنانيين وفلسطينيين في إسرائيل عام 1991، أن النخبة السياسية الإسرائيلية مستعدة دائمًا للتضحية بكنوز وأرواح وحريات أقرب حلفائها من أجل مكاسب تافهة. كل من يتوهم أن إسرائيل ستمنحه الأمن والمساعدة سيستيقظ يومًا على الحقيقة المرة: لقد جُعل خطًا دفاعيًا أوليًا لإسرائيل دون مقابل.

والحقيقة المرة هي أن مرتكز سياسة نتنياهو الشيطانية هو الفوضى والشقاق وعدم الاستقرار المستمر. والتهديد الوجودي الحقيقي، في نظرهم الضيق، هو التعاون الإقليمي البناء، سواء تمثل في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهو المطلب الذي اعتمدته الجمعية العامة منذ عام 1974، أو من خلال صيغة مبتكرة للأمن والتعاون في منطقة مضيق هرمز الحيوية، كما جاء في الفقرة 8 من قرار مجلس الأمن رقم 598 الصادر في عام 1987.

وكما قال رئيس وزراء قطر السابق بذكاء وفطنة، فإن منطقتنا، بل والعالم أجمع، بمن في ذلك أعضاء مجلس الأمن الدائمون، لا يمكن أن تزدهر وهي تعيش تحت وطأة مغامرات إقليمية جديدة مدفوعة بأجندات داخلية إسرائيلية ضيقة ومشبوهة.

لقد آن الأوان كي يتخذ مجلس الأمن خطوات عملية جادة لوضع إطار إقليمي شامل للحوار البناء، وبناء الثقة المتبادلة، والتعاون الفعال بين دول منطقة هرمز أو غرب آسيا الإسلامية، تحت مظلة مناسبة من الضمانات الدولية القوية من مجلس الأمن وأعضائه الدائمين.

لقد طرحت إيران مبادرات واضحة وواقعية لتعزيز الأمن الإقليمي، مثل "مبادرة هرمز للسلام" (HOPE) في عام 2019، و"رابطة حوار غرب آسيا الإسلامي" (MWADA) في عام 2024.

هذه المبادرات الجديرة بالتقدير تمثل دعوات مفتوحة وصادقة للحوار والتعاون، وكل دولة في المنطقة أو خارجها معنية بشكل مباشر بإفشال مخططات زعزعة الاستقرار الإقليمي المدمرة.

واليوم، فإن على دول المنطقة التي يشملها نطاق مبادرتي HOPE وMWADA، بما في ذلك البحرين، ومصر، والعراق، والأردن، والكويت، وعُمان، وقطر، والسعودية، وسوريا، وتركيا، والإمارات، واليمن، وبعد أن شاهدت بنفسها بعض ملامح المستقبل الخطير الذي تخطط له إسرائيل، أن تنهض بمسؤولياتها التاريخية، وتبادر إلى تقديم مقترحات فردية أو جماعية، سواء لتطوير المبادرات الإيرانية القائمة أو لعرض تصورات بديلة أكثر شمولاً.

وينبغي لهذه الدول أن تتحرك معًا، وبدون مزيد من التأخير، وتدعو مجلس الأمن إلى إصدار قرار تاريخي يدعم ترتيبات إقليمية شاملة، تقوم أساسًا على رؤية مشتركة تتفق عليها دول المنطقة نفسها.

لقد بينت السنوات العشر التي انقضت منذ توقيع الاتفاق النووي أن سياسة الإكراه والترهيب تضر حتى بمن يبدأ بها. أما الدبلوماسية الهادفة، من أجل مستقبل مشرق قائم على الرؤية المشتركة، والأمل المتجدد، والمكاسب المتبادلة، فهي كانت، وستظل إلى الأبد، الخيار المعقول والوحيد لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة. والوقت يمضي بسرعة ولا يرحم أحد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة